روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | معالم التوحيد في دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ 12

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > معالم التوحيد في دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ 12


  معالم التوحيد في دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ـ 12
     عدد مرات المشاهدة: 1811        عدد مرات الإرسال: 0

¤ التحذير من كل قولٍ ينافي أصل التوحيد أو كماله الواجب:

كان من أساليبه صلى الله عليه وسلم في حمايته لجناب التوحيد، النهي عن الحلف بغير الله تعالى، كالحلف بالآباء والأمهات والأبناء والكعبة والأنداد وغير ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون» -رواه أبو داوود، 3-233، كتاب: الأيمان والنذور، باب: في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3248.

وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ركب وهو يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت» -رواه البخاري، 5-2265، كتاب: الأدب، باب: من يرى إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً، برقم 5757- وقد سمع ابن عمر رضي الله عنهما رجلاً يحلف: لا والكعبة، فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» -رواه أبو داوود، 3-223، باب: في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3251، والترمذي، 4-110، كتاب النذور والأيمان، باب: ما جاء في كراهية الحلف بغير الله، برقم 1535.

وكان من أساليبه صلى الله عليه وسلم في حمايته لجناب التوحيد، التحذير من كل قول قد يكون فيه غلو أو رفع للشخص فوق منزلته، ومن ذلك ما جاء عن عبدالله ابن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى»، فقلنا: وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولا، فقال: «قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان» -رواه أبو داوود، 4-254، كتاب: الأدب، باب: في كراهية الحلف بالآباء، برقم 3251، والترمذي، 4-110، كتاب النذور والأيمان، باب: ما جاء في كراهية التمادح، برقم 4806- فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم كما أخبر بذلك عن نفسه في بعض الأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفّع» -رواه مسلم 3-1782، كتاب الفضائل، باب: فضل نسب التبي، برقم 2276، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه- ولكنَّ مخاطبته بهذا الأسلوب مع كونه سيداً كرهها ومنع منها، لئلا تؤدي إلى ما هو أعظم من ذلك، وهو تعظيمه والغلو فيه، كلُّ ذلك حماية لجناب التوحيد، وسدًّ للطرق الموصلة للشرك، ومنها طريق الغلو في الألفاظ -انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد، صالح آل الشيخ، ص 582.

والنبي صلى الله عليه وسلم لما أكمل الله له مقام العبودية صار يكره أن يُمدح، صيانة لمقام العبودية، وحماية للعقيدة، وأرشد الأمة إلى ذلك، نصحاً لها، وحماية لمقام التوحيد أن يدخله ما يفسده أو يضعفه من الشرك ووسائله، ومن ذلك نهيه لهؤلاء أن يقولوا: أنت سيدنا -انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، للشيخ صالح الفوزان، ص: 52.

وكان من أساليبه صلى الله عليه وسلم في حماية جناب التوحيد، النهي والتحذير عن الألفاظ التي فيها التسوية بين الله وخلقه، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل ما شاء الله ثمَّ شئت» -رواه ابن ماجه، 1-684، كتاب: الكفارات، باب: النهي أن يقال ما شاء الله وشئت، برقم 2117، من حديث ابن عباس رضي الله عنه، لأنَّ الواو تقتضي التسوية، وثمَّ تقتضي الترتيب، وهذه التسوية في اللفظ شركٌ أصغر، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر -انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، صالح آل الشيخ ص 541، ونهى صلى الله عليه وسلم عن قول عبدي وأَمَتي، تحقيقاً للتوحيد، وسدّاً لذرائع الشرك، لما فيها من التشريك في اللفظ، لأنَّ الله تعالى هو ربُّ العباد جميعهم، فإذا أُطلق على غيره تعالى، شاركه في هذا الاسم، فينهى عن ذلك، وإن لم يقصد بذلك التشريك في الربوبية التي هي وصف الله تعالى، وإنما المعنى أنَّ هذا مالكٌ له، فيطلق هذا اللفظ عليه بهذا الاعتبار، فالنهي عنه حسماً لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق، وتحقيقاً للتوحيد وبعداً عن الشرك حتى في اللفظ -انظر: فتح المجيد، عبد الرحمن حسن آل الشيخ، ص 541.

والحكمة النبويّة في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقل أحدكم أطعِم ربَّك وضِّئ ربك، إسق ربَّك، وليقل سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي       -متفق عليه: رواه البخاري، 2-901، كتاب: العتق، باب: كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي أو أمتي، برقم 2414، ومسلم 4-1765، كتاب: الألفاظ من الأدب وغيرها، باب: حكم إطلاق لفظة العبد والأمة والمولى والسيد، برقم: 2249- تتبيّنُ لمن تأمّل، ففي إطلاق هاتين الكلمتين على غير الله تشريك في اللفظ، فنهاهم عن ذلك تعظيماً لله تعالى، وأدباً وبعداً عن الشرك، وتحقيقاً للتوحيد، وأرشدهم إلى أن يقولوا: فتاي وفتاتي وغلامي، وهذا من باب حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، فقد بلَّغ صلى الله عليه وسلم أمته كل ما فيه نفع، ونهاهم عن كل ما فيه نقص في الدين، فلا خير إلا دلهم عليه، خصوصاً في تحقيق التوحيد، ولا شر إلا حذرهم منه، خصوصاً ما يقرب من الشرك لفظاً وإن لم يقصد   - انظر: فتح المجيد، عبد الرحمن حسن آل الشيخ، ص 542.

ومما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة لحماية جناب التوحيد، قول العبد المكلّف    -لو- قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، إحرص على ما ينفعك، وإستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان -رواه مسلم 4-2052، كتاب: القدر، باب: في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعاذة بالله وتفويض المقادير لله، برقم 2664- والمقصود بها التي تقال ندماً وأسفاً وجزعاً عند الأمور المكروهة، كالمصائب إذا جرى بها القدر، لما فيه من الإشعار بعدم الصبر على ما فات، مما لا يمكن إستدراكه، فالواجب المطلوب من المؤمن التسليم للقدر، والقيام بالعبودية الواجبة، وفي ذلك خيّرٌ له. وقول -لو- يتنافى مع ذلك المطلوب من المؤمن، مع ما قد يصاحبها من نوع اعتراض على قدر الله وأحكامه -انظر: فتح المجيد، عبد الرحمن حسن آل الشيخ، ص (551)، وحماية الرسول حمى التوحيد، محمد زربان الغتمدي، ص 363.

الكاتب: د.عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.